ذعر في شرق أوكرانيا بسبب “صفقة ترامب وبوتين” المحتملة.. ما السبب؟

  على شواطئ بحيرة سلوفيانسك المالحة الصغيرة في أوكرانيا، حيث تُوفر مياهها العلاجية لحظةً من العزاء بعيدًا عن دوامة العنف على الجبهات الشرقية على بُعد أميال قليلة، يبدو الحديث عن صفقة أراضٍ أوكرانية من المحتمل الاتفاق عليها  في قمة بولاية ألاسكا الأمريكية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين المقرر انعقادها الجمعة قاتما.

وقال الصحفي ميخايلو، بين غطساته في الماء، من رمال البحيرة المُطلة على ملجأ خرساني كبير: “أشعر وكأنني أطفو بعيدًا عن هذا الواقع، القصف مستمر بالقرب من هذه المنطقة، التي يُطلق عليها ميخايلو مازحًا “مدينة سلوفيانسك المالحة.

لكن مقترح الكرملين للمبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف بمبادلة وقف إطلاق النار بأجزاء من دونباس لم تُسيطر عليها روسيا بعد يعني أن هذه المدينة، والمناطق المجاورة لها، قد تُصبح فجأةً تابعةً لموسكو.

 وحتى على هذا الشاطئ الهادئ، تسبب ذلك فيما يُطلق عليه ميخايلو “الذعر، وقال: “يريد العديد من أصدقائي البقاء هنا، وسيتعين علينا جميعًا المغادرة. لكن بصراحة، لا أعتقد أن ذلك سيحدث”. 

هناك تحد، وإدراك بأن الجهود الدبلوماسية عالية المخاطر التي ينخرط فيها ترامب مع بوتين قد تفشل في التنفيذ بقدر ما تسارعت وتيرة التحضير لها.

وقال ميخايلو: “ما أخطأه ترامب هو أنه أخرجه من المستنقع – أخرجه وقال: فلاديمير، أريد التحدث إليك. أنا معجب بك، ولم يكترث بموت الأوكرانيين كل يوم“.

وبالنسبة للودميلا، التي تنتقل إلى المياه على كرسي متحرك ذي ذراع، تمنحها بحيرة الملح لحظات وجيزة من الطفو تُريحها من إصاباتها الناجمة عن وطأة لغم أرضي قبل عامين، إنه ألم يومي يجعلها غير مُعجبة بالدبلوماسية.

وقالت وهي تلوح بيدها مستهجنة: “ها هم يكذبون، بالنسبة لهم، الأمر كله مجرد استعراض. يقررون شيئًا، ويقولون شيئًا آخر، ويفعلون شيئًا آخر. لطالما كانت هذه هي السياسة”.

وفي جميع أنحاء منطقة دونيتسك، أدى انتشار خبر صفقة ويتكوف مع الكرملين، والتي شابها الغموض في تفاصيلها، ورفضتها كييف على الفور، إلى تفاقم معاناة حياة من دمرتها الحرب بالفعل.

واستولى “الانفصاليون” التابعون لموسكو على مدينة سلوفيانسك لأول مرة في 2014 قبل أن تستعيد القوات الأوكرانية السيطرة عليها.

 وحُفرت خنادق جديدة على عجل غربها تحسبًا لاحتمالية تهديد الهجوم الروسي المستمر للمدينة نفسها مرة أخرى لكن قلائل تخيلوا أن حليفتهم الرئيسية، الولايات المتحدة، قد تفكر في التخلي عن منزلهم.

وفي جناح الولادة بالمدينة، وهو المرفق الوحيد العامل من نوعه على بُعد أميال، تُداعب تايسيا ابنتها أسول، المولودة، الأحد، في عالم تضاعفت فيه فجأة مخاطر التواجد في سلوفيانسك.

وقالت: “رأيت الأخبار، سيكون ذلك سيئًا للغاية، لكن لا تأثير لنا عليه، لن يكون قرارنا، سيتخلى الناس عن منازلهم ببساطة”.

الحرب أوقعتهم هناك

تستمر الولادات والوفيات، وحالة صوفيا لاميخوفا مُحزنة بشكل خاص، فقد كان والداها، ناتاليا وسفياتوسلاف، سعيدين عندما قررت هي وزوجها ميكيتا العيش مع ابنهما حديث الولادة ليف في العاصمة،  كييف وكما قال سفياتوسلاف: “أردنا أن يكونوا أبعد عن خط المواجهة. هنا في سلافيانسك، تُشن هجمات بطائرات مُسيّرة وقصف يوميًا.”

لكن عُثر على العائلة المكونة من 3 أفراد تحت أنقاض الغارة الجوية التي شُنّت في 31 يوليو/ تموز على مبنى سكني في كييف، وقد لقوا حتفهم جميعًا جراء انهيار المبنى.

 وكانت صوفيا حاملًا في شهرها الثالث، ومن المقرر أن تصل إلى سلافيانسك خلال أيام قليلة، لتخبر صديقاتها بالأخبار السارة.

وقالت ناتاليا: “لقد غادروا الحرب، وكان الوضع هادئًا هناك، لكن الحرب أوقعتهم هناك”. 

وأضاف سفياتوسلاف: “من المستحيل أن يتقبل الإنسان ذلك. من المستحيل أن يتقبل فقدان الأطفال“.

 

وتحدثا في الليلة التي سبقت وفاة صوفيا، وقالت ناتاليا: “قالت إنها ترغب بشدة في القدوم إلى سلوفيانسك، لإخبار الجميع بالخبر، ونشر الفرحة. لكنهم لم يعودوا. لقد عادوا معًا، بشكل مختلف“.

وتشير والدة صوفيا بنبرة حزينة إلى دفن العائلة على مشارف المدينة.

وتُزأر طائرة أوكرانية فوق رؤوسهم بينما تعتني هي وزوجها بالزهور المتربة على تلال دفنهم.

 ولا يستطيع الزوجان مغادرة سلوفيانسك- موطنهما، ولكنه أيضًا المكان الذي يقدمان فيه مساعدات الطعام والماء للعديد من السكان المحليين، وغالبًا ما يكونون من كبار السن الذين يعيشون بمفردهم ويعتمدون على المساعدات.

وأقرب محطة قطار هي كراماتورسك، العاصمة الفعلية لمدينة دونيتسك الخاضعة لسيطرة أوكرانيا، وهي مدينة صاخبة، حيث تستمر الحياة المدنية وسط العسكريين المتمركزين هناك. 

وأدت غارة جوية ضخمة إلى تدمير مبنى مركزي بالكامل، وتدمير طوابقه الأربعة ووصولها إلى قبوه. 

وهجمات الطائرات الروسية المسيرة منتظمة. لكن المدينة تعجّ بأمور البقاء المُلحّة في الحرب، بل والحرب نفسها.

ويصل القطار القادم من العاصمة، كييف، الاثنين، على وقع صفارات الإنذار، ويجلس العشرات على الرصيف لاستقبال القادمين من العاصمة. 

وتبكي تيتيانا، زوجها سيرهي، الذي يُقاتل منذ اليوم الثاني للغزو الروسي، وقد مُنح إجازة يومين من وحدة دباباته خارج كوستيانتينيفكا احتفالًا بعيد ميلاده.

وبينما تبكي تيتيانا، يُعاتبها الجندي بلطف على ضجيجها. قال: “كان من الأفضل لو لم تأتِ. اهدئي”.

 ولا تُبالي تيتيانا كثيرًا بخدع دبلوماسية ترامب، وتقول: “هل تعرف ما هو حلمي؟ مجرد عودة زوجي إلى الوطن. لا أُبالي بتلك الأراضي. أريده فقط أن يكون على قيد الحياة ويعود إلى الوطن.”

وينطلق القطار عائدًا إلى العاصمة، والرجال يضعون أيديهم على نوافذه الزجاجية المتحركة، وفتاة تنقش قلبًا على باب يُغلق، وتستمر صفارات الإنذار.

شاهد أيضاً

زيلينسكي يوجه رسالة لقادة أوروبا قبيل الاجتماع المرتقب بين ترامب وبوتين

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه ممتن لقادة الاتحاد الأوروبي الذين أكدوا في وقت سابق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *